زاحم جهاد مطر
قبل اشهر قليلة نشرت مجلة " فورين بوليسي تحقيقا بعنوان " كيف سيكون العالم بعد جائحة فايروس كورونا "، اكدت فيه أن الدمار الذي احدثه الفايروس لا يقل اثراً عن تداعيات سقوط جدار برلين ، أو الازمة الاقتصادية عام 2008 ، وقد طرحت فورين بوليسي سؤالا مهما على عدد من المفكرين حول اذا ما سيتم التخلص من العولمة ؟ . في بعض الاجابات كانت هناك اشادة غريبة بالفايروس الذي اعتبره البعض علاجا محتملا لكوكب الارض ، وانه افضل طريقة لكبح الرأسمالية المعولمة ، واستعادة فضائل المجتمعات والبلدان التي استحوذت عليها فضائل الاسواق والشركات .
لماذا نقرأ؟ وماذا تقدم الكتب لنا ؟ سؤال حاول ان يجيب عليه عالم الفلك الشهير غاليلو الذي رأى ان القراءة افضل طريقة لامتلاك قوى الإنسان الخارق. وكان كافكا يصر على ان الكتب مثل "الفأس الذي يكسر البحر المتجمد بداخلنا"، ويعتبر الشاعر الفرنسي بول فاليري ان مجرد فتحنا لصفحات الكتاب يمكنه أن يمنح أفعالنا رؤيا جديدة. بالنسبة لي ليس مهما ان اكون قارئا ، بل يجب ان اكون قادرا على بث الشغف بالقراءة عند الاخرين، وعنما اكتب عن الكتب واستذكر مؤلفيها لا يمكنني غض الطرف عن الروابط العاطفية بيني وبين الكتب والقراءة.. وبرغم مئات الصفحات التي كتبتها في مديح الكتب، ساظل طوال عمري أتذكر نصيحة الروائي الراحل الكبير عبد الرحمن منيف، عندما قال للشاب العامل في المكتبة - الذي هو أنا: حاول أن تجعل من القراءة واقعاً تعيشه.
انا قارئ أنتمي الى تلك الفئة من الناس الذين يقرأون في كل مكان وزمان، أحمل الكتاب معي أينما أذهت ويعرف اصدقائي أنني شخص موثوق عندما يحتاجون إلى ترشيح لكتاب يقرأونه أو عندما لا يمكنهم تذكر من مؤلف الكتاب الفلاني وكم طبعة صدرات له، إن حياتي العملية شديدة التداخل مع محبتي للقراءة لدرجة أنني لا استطيع الفصل بين الاثنتين، وشخصيتي هي نتاج الجمع بين كل شخصيات الكتب التي احببتها واصبحت جزءا من ذاكرتي، فأنا لم أذهب الى بطرسبورغ، لكني احفظ أبرز معالمها التي اخذني فيها دستويفسكي وتولستوي ذات يوم ولم اشاهد ماذا حدث في لباريس اثناء الحرب العالمية الثانية، فتطوع همنغواي ليخبرني بكل التفاصيل، ولم أزر براغ، إلا ان ميلان كونديرا قدم لي وصفاً ممتعاً لما يدور في شوارعها، واصبحت اعرف من خلال خبرتي في الكتب، ان القراء يعيشون أكثر من حياة.